طريقة التعامل مع مأزق عاطفي

أولاً دعـنا نتفق على معنى وماهية “مأزق عاطفي” لكي نعرف التعامل معه .
أقـصد بالمأزق هو حالة الشعور بمشاعر لا ترغب بها، مثل الحزن الغضب التوتر القلق، وتشعر أنك مقيد بها، وسيتضح معنى هذا ضمن سياق التدوينة.
article-2476615-18FA741200000578-966_306x415
الانسان كائن حي يشعر، مليء بالمشاعر والأحاسيس، متقلب متغير. بسيط جدا ورقيق. مشكلته تكمن في عقله عندما يعرقل مشاعره، لكن هذا من طبيعته، فلا يمكن تغيير ذلك، لكن من الواجب تقبله. ولكي تتقبله يجب أن تفهمه ابتداء.
في يوم الأحد حدث لك موقف معين،شعرت ببعض الغضب لكن لم تسنح الفرصة أن تعبر عنه أو لم تمنح أنت نفسك الفرصة لتطلقه خارجك.
يوم الجمعه حدث موقف ثاني لكنه أقل حدة من الأول، فاستغل عقلك الموقف وبالغ في ردة فعله، فأخرج الغضبين في وقت واحد.
هذا مثال بسيط وعادي ويعرفه الكثير.
طيب بعض الأحيان، يحدث موقف وتخرج مشاعرك أو ردة فعلك، وبعد فترة، موقف آخر لا علاقة له بأم الأول، لكن لأنك تشعر بالحزن أو الغضب، يبدأ عقلك بلخبطة الأمور، فيجلب لك أحزانا قديمة ويكبرها ويضخمها، أو يجعلك ترى مواقف عادية وتجعلها كأنها كوارث كئيبة، فيخلط الحابل بالنابل، بشكل مزعج وخاطئ، الهدف هو “حوسة مشاعر، طلّع كل شي مرة وحدة” بما فيهم ذلك الموقف الذي خرج حزنك أو خرجت مشاعرك بالنسبة له.
طيب، ما هو الحل؟ سواء كان الوضع كما هو أعلاه، أو بطرق أخرى. بشكل عام للمآزق العاطفية.
أولا أنوه أني لست مختصة أو طبيبة  نفسية فالأمراض أو الحالات التي تحتاج علاج مختص يجب أن تنسب لأهل الاختصاص، أنا هنا أتحدث عن طبيعة النفس البشرية، وعن طرق تعاملنا مع أنفسنا من أجل حياة أفضل، كما هو مجالي الذي أكتب فيه.
أول نقطة وأهم نقطة في عالم الحلول للتعامل مع مأزق عاطفي هي:
اسمح لنفسك أن تكون إنسانا
ما معنى ذلك؟ يعني تقبل أنك إنسان تشعر، وقد تشعر بمشاعر لا تعجبك، مشاعر مزعجة، تقبل ذلك
ليست مشكلة، هذه طبيعة بشرية وكل الناس يشعرون مثلك
هذه المشاعر لا تنتقص من قدرك ولا تحط من شأنك، إلا إذا ظننت (ظنا خاطئا) كذلك
الحزن ليس نهاية العالم، هو شعور طبيعي مثل الفرح وغيره من المشاعر
مشكلة المشاكل هي بمقاومة ما لا تحب من المشاعر، فالمقاومة (يعني لا أريد أن أشعر هكذا، لم أشعر هكذا، لم حزنت، لم ولم) تجعل المشاعر تكثر وتتضخم
خنق نفسك خنقا صارما بالمثالية غير الواقعية، أنك “يجب أن لا تشعر بالحزن أو بالضيق” أو يجب أن تكون بشكل معين ووضع معين وصورة معينة
رفضك التام لطبيعة نفسك، خاصة للمرأة وتغيرات الهرمونات، والرجل في بعض حالاته
رغبتك التي لا تحمل شيئا من الصحة ولا الواقعية بالتحكم في كللللللللللللللللللل شيء حولك، وهذا محال، بل من سابع المستحيلات
وضع نفسك تحت المجهر ومحاسبتها وتحليل كل كلمة تصدر وتصل وحسابها وغيرها من الخنق والزنق
اششششششششششششششش، ريلاكس، تقبل نفسك، ودع مشاعرك تخرج، ولا تحاول أن “تصلح” أو “تعدل” لأن هذه المشاعر ليست خرابا فيك ولا عطلا يحتاج لإصلاح. لو كان سلوكك فيه شيء غير جيد ترغب بتطويره هذا أمر آخر.
تقبل بشريتك واسمح لنفسك أن تكون بشرا، وهذا مع الاعتياد وتدريب النفس، والاستعانة بالله، يحصل
طبعا، نحن نتحدث بشكل عام هنا للنفس، وهذا لا يعني أن أفتح باب الحزن لنفسي على مصراعيه وأقول ليست مشكلة وأحزن على كل شيء في هذا الكون!
القصد هنا أن لا تكون شرطيا وقت حزنك وأن تكون هينا لينا مع نفسك، حتى في الحالات التي لم تكن بها هينا، كن هينا لأنك لم تكن هينا
طيب، ماذا بالنسبة للأشخاص الذي يحزنون من كل شيء؟ كثيروا الحساسية؟
أولا، لا يوجد قوانين في النفس البشرية، يوجد أمور عامة عن طبيعتها وما ينفعها أو يضرها، التفاصيل الخاصة بعدها تأتي حسب كل شخص، وكل شخص يعرف نفسه أو لو كان بحاجة لمساعدة بإمكانه أن يلجأ لمساعدة مرشد Coach أو مساعدة طبية مختصة كما ذكرت سابقا
نتحدث عن الحساسية العادية عموما هنا، حيث يحزن بعض الأشخاص من كل كلمة تقريبا أو يتوقعون أن كل كلمة تصدر من الآخر فهي عنهم، الحالات المرضية لها علاجها ليست من اختصاصي، أما الحالات البسيطة فهي تعالج بمقابلة هذه المشاعر (المبنية أساسا على اعتقادات) بأفكار منطقية، يعني مواجهة هذه الاعتقادات بمنطق. مثال؛ عندما تظن أن أحدهم يقصدك: لكن ليس شرطا أن تقصدني؟ هل قمت بعمل أمر مشين؟ فلانة تحبني وهي طيبة فلم تقصد أبدا، وهكذا… مع الوقت ومع مقابلة السلب بالايجاب، وتعويد وتدريب النفس وقبل ذلك كله الاستعانة بالله عز وجل لأنه هو من يملك قلبك، تخف الحساسية بإذن الله.
تطرقت للحساسية بشكل عام لأنه لو كان أحدهم كثير الحساسية وطبق أو اعتقد بالأمور التي كتبتها أعلاه قد يظل حزينا طول اليوم، وقد يجعله هذا الحزن مريضا نفسيا أو جسديا.
ريلاكس
طيب، علمت أن الحزن طبيعي، وأني يجب أن أتقبل هذا وأدع حزني يخرج، وألا أضغط على نفسي، لكن هذا لا يعني أن أحزن حتى من الذبابة إن أتت على وجهي، كيف أتعامل مع نفسي فترة الحزن؟ أو المأزق العاطفي؟
الوعي هو الأساس، هو الذي يسهل الأمور بعد فضل الله.
عندما تتقبل، وتعلم أنك وقت الحزن من الطبيعي أن لا تكون على طبيعتك، فمن الطبيعي (في هذه الفترة) تزيد حساسيتك تجاه الكلمات التي تسمعها (لذلك لا تضخم الأمور) ويزيد عقلك في جلب أمور أخرى غير محزنة لك أصلا أو أمور قديمة أو ما إلى سواه، ستتغير نفسيتك ونظرتك تماما. لأنك لن تشعر بالضياع أو بالقيود أو كأنك مسجون! فأنت تعلم أنك حاليا تمر بفترة تحتاج منك التقبل والتمهل والرفق واللين، فستكون مرتاح البال وقتها تجاه نفسك. لأن ما يأرق الانسان في هذه الأوقات هو كثرة محاسبته لنفسه ولغيره، لم فعلت لم قلت لم أنا هكذا؟ لم و لم؟ ففهمك لطبيعتك، مريح.
طيب، يجب أن نعلم قانونا كونيا. لا يوجد في هذا الكون شر مطلق. ولا يوجد في هذا الكون أمر يحدث في أي مكان في هذا العالم، دون أمر وقدرة وعلم وحكمة الله. بما أنه لا يوجد شر مطلق، يعني حتى ما تشعر به (في حال لم يكن له سبب ظاهر لك) هو بحكمة من الله لكي تلجأ إليه وتستغفره وتسبح وتدعوه. الله يهتم بمن يحبهم فيعالج قلوبهم وينقيها ويصفيها لأنه يريدهم طيبين خالصين يدخلون جنته لا شيء عليهم. لذلك وهنا تأتي الاختبارات، ولو كان السبب ظاهرا لك يعني كنت تمر بأمر صعب أو قدر أو ظرف، اعلم كذلك أنه من الله ولو بدت لك أسباب دنيوية منطقية أمامك، هي كلها مسببات لكن كل الأمر بيد الله وحده، فماذا تفعل؟
تلجأ لله. الله هو القابض الباسط، مالك القلوب، وهو الودود وهو الجبار، فادعوه بهذه الأسماء أن يجبرك ويخفف عنك ويقويك ويساعدك. و أكثر من التسبيح والاستغفار فهما يجبران قلبك ويذهبان حزنك بشكل لا يمكن لأي وسيلة بشرية أن تفعله، يستحيل. وهذا الشعور في القلب لا يمنحه إلا الله سبحانه وتعالى.
حاول في هذه الفترة قدر المستطاع أن تشغل نفسك بما تحب، هوايات أو أي أمر تحب القيام به. لا توقف حياتك (لو مررت مثلا بفترة من عدم الاستقرار العاطفي) قدر الإمكان، ليتمكن عقلك من الانشغال بما هو مفيد ولا يبقى فارغا لكي يزيد ضيقك أو كدرك.
اشش، ريلاكس، تقبل نفسك، افهم الأمور التي تحدث لك حسب حكمة الله وحسب قوانينه في هذا الكون، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن الله معك، قريب مجيب، يحب الصابرين، والبلاء هو ما تكرهه النفس ولو كان هذه الحزن أو الضيق الذي يأتيك بلا سبب وتكرهه ولا تحبه، أو بسبب. والحمدلله على كل حال من الأحوال.